بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 24 نوفمبر 2011

يجب أن تموت أولاً كي تكرم !

كان العرب في الجاهلية من أكثر شعوب الأرض تكريماً لأبطالها أو مميزيها وكان العربي إذا نبغ في فروسية أو مبارزة أو شعر أو فصاحة أو كرم أو جاه افتخرت به قبيلته وأشعلوا النيران على رؤوس الجبال إعلاماً منهم بظهور رجل فريد من نوعه ، هذا غير مايحظى به من شهرة وتقديم له في المحافل ومايجلبه لهم من فخر وعز وشرف . وتحفل صفحات التاريخ بمثل هؤلاء الذين خلدت ذكراهم كتب التاريخ والسير وتواترت أخبارهم الأجيال ناهيك عن مايسطر حولهم من أساطير وخرافات مبالغة فيهم . وحظيت أمة العرب بنماذج كشاعرٍ مجيد كأمريء القيس بن حجر وفارس عزيز كوائل بن ربيعة التغلبي وفصيحاً كسحبان وائل وكريماً كحاتم الطائي وداهية العرب عمرو بن العاص رضي الله عنه وغيرهم ممن خلد ذكرهم .. وفي عالمنا اليوم انقلب الحال فالمميز لدينا لايرفع له ذكر ولاتوقد بسببه النيران على قمم الجبال ولايعرفه احد الا بعد موته . شعراء وساسة وعلماء وخطباء وكتاب لانعرف عنهم شيئأ الا بعد ان يعلن عن وفاتهم في صحيفة او على التلفاز وعند موتهم تنطق الافواه الصامتة في حياتهم منادية بتكريمهم وتخليد اسمائهم اما بنصب تذكاري او تأسيس جمعية باسمائهم او اطلاق اسمائهم على شارع من الشوارع او تسمية احدى مسارح الفن او الجامعة او اجنحة المستشفيات على اسمائهم ؟! ان من المؤسف حقاً ان يحدث هذا في الوطن العربي ككل ، فالعربي الشهير الافتراضي يهلك نفسه ليل نهار كي يظهر للأمة منتجه الفكري وأعماله التي يرغب بها نفع أمته ولكنه مغيب الا في محفل او محفلين يوزع إبتسامته هنا واخرى هناك بغية تكريم او اقل شيء إشعال شمعة صغيرة لميلاده كنجم جديد . ولكن الواقع يقول : ليس احق بالتكريم في امة العرب الا الحكام فقط وغير ذاك فالكل مغيبون ولايحق لهم التكريم . فلم نرى أن عالم عربي استحق التكريم كما كان في عهد اسلافهم في العصور القديمة، أو حتى كما كان يكرم الغرب علمائه ونجومه فالغرب يفتخر الآن بأنهم أضاءوا الدنيا من جديد بفعل اختراعاتهم ونهضتهم ووضعت لهم جوائز عالمية تعطى لهم سنوياً بمثابة نارٍ اشعلت على قمة جبل . لعلي اخمن ان مشاهيرنا يدعون ربهم ليل نهار ان يعجل بموتهم كي يكرموا ولو بكفنٍ او درع يركنه الورثة في مكان ما بمنزلهم . كان الفتى ذي العشرين عاما يكرم لجودة شعره كطرفة بن العبد فهو لم ينتظر كي يصل الى سن الستين او السبعين او حتى الثمانين كما يفعله بني قومي بمشاهيرهم فهذا يكرم وقد أسنده اولاده وعصاه التي لاتفارقه . وهذا آخر قد خرف وهرم يكرمونه فلا أدري لما يكرمون عند موتهم او ضياع عقولهم او قعودهم ؟؟ .. ولا اعرف لما لايكرم وهو فتي شاب قوي يعطي وينتج اكثر من اي وقت يأتي ولما لايكرم وهو يعي مايدور حوله ؟ ولاأدري لما لايكرم وهو حي يرزق ينتظر نظرة بسيطة من تكريم بسيط يشفع له عند منتجه الفكري الضخم ومكتبته العامرة من مؤلفاته او اختراعاته او كتاباته ؟؟ لماذا العربي منسي وهو حي ومذكور  عند موته ؟؟ . ايجب فعلا ان يموت كي يكرم ؟  .. اذا لن تغني عنه جائزة نوبل ولا جوائز الدولة التقديرية ولا شوارع سميت بإسمه ولا صالات تحمل اسمه فهو بحاجة الى كفنٍ وقبر يضمه ودعاء له فهو احوج مايكون لمثل هذا .. او بحاجة الى دواء لعلاجه من مرض أقعده او رعاية من ورثته لما حل بعقله من ضياع وخرف .. فيأيها النابغة العربي ان خير تكريم لك ان يحفروا قبرك ويهدوك كفنٌ يليق بقامتك وسمو هامتك خلال رحلتك الطويلة في دنيا التميز هذا خير تكريم  لرجل مات حياً وحيي ميتاً !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة